من مكافحة الانبعاثات إلى تحسين الحياة.. بيل غيتس يعيد تعريف العدالة المناخية

منتقدا النظرة التشاؤمية المفرطة

من مكافحة الانبعاثات إلى تحسين الحياة.. بيل غيتس يعيد تعريف العدالة المناخية
الملياردير الأمريكي، بيل غيتس

دعى الملياردير الأمريكي، بيل غيتس، إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يتعامل بها العالم مع أزمة المناخ، مؤكدًا أن "الكارثة المناخية لن تفني البشرية"، في تصريحات أثارت جدلًا واسعًا بين خبراء المناخ والعدالة البيئية.

وفي مقاله المنشور على موقعه الشخصي "ملاحظات غيتس"، انتقد مؤسس "مايكروسوفت" ما وصفه بـ"النظرة التشاؤمية المفرطة" التي تهيمن على السياسات المناخية الدولية.

واعتبر أن التركيز على الانبعاثات وحدها جعل الخطاب العالمي يغفل الجانب الإنساني الأساسي في القضية: حق الإنسان في العيش بكرامة وسط تحديات المناخ والفقر والمرض.

جاءت هذه التصريحات بعد يومٍ واحد فقط من إعلان الأمم المتحدة فشل العالم في تحقيق هدف حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، وتحذير الأمين العام أنطونيو غوتيريش، خلال تصريحاته للغارديان، من أن تجاوز هذا الحد سيؤدي إلى "عواقب وخيمة على الكوكب والبشرية".

لكن غيتس يرى أن التعامل مع الكارثة بمنطق "الهلاك" يُضعف القدرة على اتخاذ قرارات عقلانية تركّز على الحلول الواقعية التي تمكّن المجتمعات الفقيرة من التكيّف والبقاء.

الحق في التنمية

يؤكد غيتس، كما تنقل عنه وكالة أسوشيتد برس، أن "تغير المناخ سيضر بالفقراء أكثر من أي فئة أخرى"، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أن الفقر والمرض "يظلان أكبر تهديدين لحياة الإنسان".

وقال في مذكرته: "إن فهم هذه الحقيقة سيسمح لنا بتوجيه الموارد المحدودة نحو التدخلات الأكثر تأثيرًا في الفئات الضعيفة"، داعيًا إلى ربط الجهود المناخية بسياسات التنمية المستدامة والابتكار الصحي.

ويضيف غيتس أن التركيز الحصري على الأرقام، مثل نسب الانبعاثات أو درجات الحرارة، يجعل السياسات المناخية بعيدة عن جوهرها الإنساني، إذ يفترض أن تكون الأولوية لحماية حق الشعوب في التنمية والعيش الآمن لا مجرد الحفاظ على مؤشرات بيئية مجردة.

وتوضح منصة "جرين كوين" أن رؤية غيتس تتبنى نهجًا براغماتيًا يوازن بين حماية البيئة وتحسين جودة الحياة، حيث يرى أن الاستثمار في الزراعة المستدامة، والرعاية الصحية، والتعليم، يمكن أن يشكل أدوات أكثر فاعلية لتحقيق العدالة المناخية.

الرؤية التقنية والمطلب الإنساني

يُعيد خطاب غيتس فتح النقاش حول مفهوم العدالة المناخية ذاته: هل تعني توزيع أعباء الانبعاثات بالتساوي بين الدول، أم ضمان ألا يتحمل الفقراء ثمن الأزمة التي لم يتسببوا بها؟

تقول "الغارديان" إن هذه الرؤية تضعه في مواجهة مع الأصوات الأممية التي تدعو إلى نهج أكثر صرامة في خفض الانبعاثات، مثل تصريحات غوتيريش التي حذّر فيها من بلوغ نقاط تحول خطيرة في غابات الأمازون وغرينلاند والقطب الجنوبي، مؤكدًا أن "تأجيل العمل يعني الحكم على الأجيال القادمة بالمعاناة".

غير أن "أسوشيتد برس" ترى أن دعوة غيتس لا تُنكر خطر الأزمة، بل تسعى إلى "إعادة توزيع العدسة" لتُظهر أن العدالة المناخية ليست مجرد التزام بيئي، بل حق إنساني في الحياة والتنمية والكرامة.

ويشير تقرير الوكالة إلى أن هذا الطرح يجد صداه في دول الجنوب العالمي التي تعد السياسات الغربية في مجال المناخ كثيرًا ما تُستخدم لتقييد النمو الاقتصادي في البلدان الفقيرة.

نحو مستقبل الأجيال

يرى غيتس أن قمة المناخ "كوب30"، المقررة في نوفمبر المقبل بمدينة بيليم البرازيلية، تمثل فرصة لإعادة رسم الأولويات العالمية.

ويكتب في مذكرته، وفقًا لما نقلته "جرين كوين": "يجب أن تكون مقاييس النجاح أكثر من مجرد درجات الحرارة والانبعاثات.. ما يهم حقًا هو مدى قدرتنا على تحسين حياة الناس".

وتوضح المنصة أن بيليم، الواقعة على أطراف غابات الأمازون، تحمل رمزية خاصة في هذا السياق، لأنها تمثل منطقة تتقاطع فيها تحديات المناخ مع قضايا الفقر، والصحة، والحق في الغذاء والماء.

وتضيف "الغارديان" أن الدعوة إلى "تحسين الحياة" تفتح بابًا جديدًا في الخطاب المناخي، إذ تُحوّل التركيز من التهديد إلى الفرصة، ومن الخوف إلى الأمل، ومن البيانات إلى الإنسان.

لكنها في الوقت ذاته تُثير تساؤلات حول مدى التزام الشركات الكبرى مثل "مايكروسوفت" ومؤسسة بيل وميليندا غيتس بتحقيق العدالة المناخية الحقيقية داخل ممارساتها الاستثمارية، وليس فقط في خطابها العام.

من جانبها، تُشير "أسوشيتد برس" إلى أن غيتس، رغم مكانته الاقتصادية، يقدّم خطابًا يبدو أكثر اتزانًا من بعض المواقف السياسية الحادة، إذ يرفض "الإنكار المناخي"، لكنه أيضًا ينتقد "التشاؤم البيئي".

ويقول: "علينا أن نُدرك أن العالم لن ينتهي غدًا، ولكن ملايين الأشخاص يمكن أن يفقدوا فرصهم في حياة كريمة إذا استمررنا في تجاهل الحلول الواقعية".

وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن خطابه يربط بين التكنولوجيا والعدالة الاجتماعية، داعيًا إلى استخدام الابتكار العلمي أداة لحماية الحقوق الأساسية، لا بديلاً عن الالتزام البيئي.

رؤية إنسانية للمناخ

في ختام مقاله، يُوجّه غيتس نداءً لإعادة صياغة أولويات العالم: "فلنقِس نجاحنا بعدد الأرواح التي نحسّنها، لا بعدد الأطنان التي نقلّلها من الكربون".

ويقرأ محللون هذا التصريح باعتباره محاولة لتجسير الفجوة بين خطاب المناخ العلمي البارد والواقع الإنساني الحار الذي تعيشه المجتمعات المتأثرة، فبينما تتحدث المؤسسات الدولية عن سيناريوهات الاحتباس، يعيش ملايين الناس في جنوب الكرة الأرضية تحت وطأة الجفاف، ونقص الغذاء، وتراجع الإنتاج الزراعي، وهي أزمات تمس مباشرة الحق في الغذاء والماء والحياة الكريمة.

بهذا الطرح، يتحول نقاش المناخ من سباقٍ على الأرقام إلى معركةٍ من أجل الحقوق، ومن صراعٍ بين الشمال والجنوب إلى شراكة إنسانية لحماية المستقبل المشترك.

وتتلخص رؤية غيتس في أن تكون العدالة المناخية، أولًا وأخيرًا، حق الإنسان في أن يعيش لا أن ينجو فقط.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية